أسس المصلحة في نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي | |
د. عبد السلام الشريف | |
Journal Title: | مجلة «الموافقات |
Issue No.: | ١ |
Physical Desc: | Pages: ٢١٥–٢٢٨ Total Pages: ١٤ |
Publication Date: | ذو الحجة ١٤١٢ هـ / يناير ١٩٩٢ م |
Language: | Arabic |
Subject: | التجديد عند الشاطبي تعريف المصلحة عند الشاطبي رأي الشاطبي في رد المصلحة المناقضة للنص قانون الغاية عند الشاطبي التطبيقات العملية للاستدلال المرسل، ودراستها عند الشاطبي |
Madhab: | Maʿāṣir |
Contributors: | د. عبد السلام الشريف (تأليف) |
يبدأ الباحث دراسته بالإشارة إلى أهمية الشاطبي باعتباره من أعظم المجددين في الإسلام الذين قاموا بمهمة الدفاع عن العقيدة والشريعة، وقد انفرد بعلم أسرار الشريعة ومقاصدها، واهتم بدراسة سر التشريع. وفي كتابه «الموافقات في أصول التشريع» هدف إلى إبراز وسائل الاجتهاد، وبيان أسباب الاختلاف بما يفسح المجال لتعميق أسرار الشريعة وفهم مغزاها. ويرى أنه خير كتاب يمكن أن يستعين به المشرع القانوني والمجتهد عندما يقع الخلاف في وجهات النظر بتغير الزمان والمكان، وبذلك يقل الاختلاف بين أهل الاختصاص.
وعظمة الشريعة وسموها تتمثل في قدرتها على مسايرة الناس. والشاطبي ونظريته في المقاصد يبين أن كل نص نزل، وكل حكم شرع قُصد به تحقيق مصلحة أو دفع مفسدة، وأن هناك حكمة قصد الشرع إلى تحقيقها.
ونظرية الشاطبي في المقاصد عظيمة الأهمية لم يُسبق إليها. وقد اهتم بها العلماء في العصر الحديث، حيث بدءوا يبحثون عن وسائل التطوير في فهم أحكام الشريعة والتوفيق بين مقتضياتها وبين حاجات العصر الحاضر. وهذه الدراسة تهتم بالتعريف بالمصلحة عند الشاطبي، وبرأيه في رد المصلحة المناقضة للنص، وقانون الغاية. وينهي الباحث دراسته بتقديم بعض التطبيقات العملية للاستدلال المرسل على بعض الفروع الفقهية، ودراسة نتائجها من وجهة نظر الشاطبي. ويقدم عدة أفكار منها:
- تعريف الشاطبي للمصلحة: لقد اهتم الشاطبي بتثبيت نظرية قطعية أصول الفقه، وأرسى قواعدها، وحدد مضمونها في نقطتين أساسيتين:
الأولى: أن كل أصل يبني عليه الفقيه، ويرجع إليه في استنباط أحكامه، يجب أن يكون قطعيًا، سواء قصد بالأصل الكتاب والسُنَّة أم القواعد الكلية. وفي هذا يقول: إن أصول الفقه في الدين قطعية لا ظنية.
الثانية: أن الأدلة الراجعة إلى العقل لا تستقل بالدلالة في أصول الفقه، فلا يجوز أن يعتمد على حكم العقل في إثبات حكم شرعي، بل إن المعول عليه هو النقل في إثبات الأحكام الشرعية والعقل معين في طريق النقل.
ويرى الشاطبي أن كون الفعل مصلحة أو مفسدة يرجع إلى الشارع نفسه الذي يقرر أن الفعل مصلحة أو مفسدة، ولا يرجع ذلك إلى ما يمليه الطبع البشري، وأن المصلحة التي تناقض النص لا تصلح حجة، ولا تُعد مصدرًا لتشريع الأحكام. وقد رد الشاطبي المصالح التي تناقض النص، وأدخلها تحت الظني الذي يعارض أصلاً قطعيًا.
ويتناول الباحث قانون الغاية عند الشاطبي، حيث رأى «أن الأحكام لم تشرع لأنفسها، بل شُرعت لمعان أخرى هي المصالح» أي الغايات. وقد اهتم الشاطبي بها باعتبارها شيئًا أساسيًا في الاجتهاد التشريعي والفقهي، لأن الغاية هي هدف الحكم وأساسه في التشريع، وهو يعبر عنها تارة بالمصلحة، وتارة بالباطن والحكمة.
ويذهب إلى أن كل تناقض في الغاية يؤدي لا محالة إلى بطلان الحكم من أساسه، لأن المناقضة تأتي على مقاصد الشريعة هدمًا وإبطالاً، إذ القصد غير الشرعي عادم للقصد الشرعي. وقانون الغاية أصل مجمع عليه.
ويرى الشاطبي أن لكل حكم حكمة أو غاية هي مقصود الشارع من أصل تشريعه، ومن ثم فإن قصد المكلف في العمل ينبغي أن يكون موافقًا لقصد الله في التشريع حكمًا ومقصدًا.
ويحذر الشاطبي في هذا الصدد من الانسياق وراء الشهوات، حيث إن الشريعة ما جاءت إلا لتخرج الناس عن دواعي أهوائهم. وقد تحدث الشاطبي عن قوانين أخرى هامة جدًا، منها قانون العدل في التعامل، وقانون وجه التعاون وغيرها كثير.
ويعرض الباحث تطبيقات الاستدلال المرسل على بعض الفروع الفقهية، ومنها:
أولاً : تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة. والشاطبي يصوغ هذا الأصل في عبارة موجزة جامعة، فهو يقول: المصلحة العامة مقدمة، ومجلة الأحكام العدلية تقنن هذا الأصل الشرعي في قاعدة فقهية تقول «يتحمل الضرر الخاص في سبيل دفع ضرر عام»، فالموازنة عند التعارض بين المصلحة الفردية والمصلحة العامة إبان تصرفات الأفراد في حقوقهم، أو ممارستهم للحريات العامة تحصيلاً لمصالحهم الخاصة في الواقع المعيش.
ثانيًا : وجوب دفع أشد الضررين، وهذا أصل شرعي، وقاعدة قطعية، ومبدأ عام أخذ من النصوص بطريق الاستقراء المفيد للقطع، فإنه إذا تعارض شران أو ضرران، فإننا نجد الشارع يقصد إلى دفع أشد الضررين، بل إن تكاليف الشريعة كلها تقوم على طلب الفعل إذا كانت مصلحته راجحة على مفسدته، وإلى النهي عنه إذا كانت مفسدته راجحة على مصلحته. وقد وقع الخلاف بين العلماء في وجود الفعل المتساوي النفع والضرر.
ثالثًا : المحافظة على النفس، وهي أصل شرعي كلي، ومبدأ عام مأخوذ بطريق الاستقراء من النصوص، وهي كثيرة تفوق الحصر، فمن ذلك النهي عن قتل النفس، وجعل قتلها موجبًا للقصاص، ووجوب سد رمق المضطر، إلى غير ذلك. فحفظ النفس من مرتبة الضروريات، وهي أعلى مقاصد التشريع اعتبارًا ورتبة وأهمية، ومن ثم فلا يجوز العمل على إهدار مقصد من هذه المقاصد الأساسية للضرر البالغ الذي ينتاب المجتمع.
ويختم الباحث دراسته قائلاً: إن التشريع الإسلامي حكمًا ومقصدًا أو حكمًا ومصلحة من وضع الشارع، وليس للنوازع والأهواء والإرادات الإنسانية دخل في تشريع الأحكــام.