الأعمال والمصالح في أصول الأديان وشرائع العمران | |
محمد أمين الطرابلسـي | |
Publication Details: | Date: ١٣٢٦ هـ |
Language: | Arabic |
Physical Desc: | No of Pages: ٩٦ |
Subject: | الأعمال والمصالح تقسيم المصالح إلى عامة وخاصة الكليات الخمس |
Madhab: | Ḥanafĩ |
Contributors: | محمد أمين الطرابلسي (تأليف) |
يضم الكتاب مجموعة أبحاث تتناول الأعمال والمصالح، وأن مكان المصلحة من العمل مكان الروح من الجسد، وكل عمل لا يقصد به غرض ولا يُبنى على مصلحة فهو العبث الذي لا مرجح له إلا فعله، وإن بناء العمل على المصلحة أول أثر للفكر وأقدم حركة للعقل.
ويشير المؤلف إلى أننا لا نجد نظامًا علويًا ولا ناموسًا أرضيًا، ولا شرعًا سماويًا، ولا قانونًا بشريًا إلا وهو قائم على مراعاة المصالح من درء مفاسد أو جلب منافع، وأن تأسيس الأعمال على رعاية المصلحة أحد مظاهر الحكمة التي وصف الله تعالى بها نفسه، ولهذا تضافرت الأديان الإلهية على اعتبار المصالح في جميع ما جاءت به من الأعمال والمصالح والأخلاق والآداب، وذلك هو سر التشريع، وهو الذي حمل طائفة من المسلمين في العصور الأولى على القول بأن مراعاة مصالح العباد في أحكام التشريع واجب. والباقون على أنها من فضل الله.
وبنى الأولون مقالتهم على أصل الحكمة، والآخرون بنوها على أصل الاختيار المطلق. والفريقان لا خلاف بينهما على تنزيه أفعال الله وأحكامه عن العبث. وأنه كتب على نفسه الرحمة، وجعل أئمة المذاهب مراعاة المصلحة نصب أعينهم يوم كانوا يستخرجون الأحكام الشرعية من أدلتها.
واشتهر عن مالك أنه كان يعدها مع الأدلة، ويقدمها على النص والإجماع عند التعارض. وأما باقي الأئمة فإنهم وإن لم يجهروا بما جهر به مالك رضي الله عنه لكنهم عند التفريع نجدهم يبنون على مطلق المصلحة.
وقد كان عمر رضي الله عنه أبعد الصحابة بصرًا إلى رعاية المصالح، وأشدهم تطلعًا إلى ما انطوى عليه التشريع من المقاصد. وبعده عبد الله بن عباس، وهو الذي دعا له النبي ﷺ أن يفقهه الله في الدين.
والمصالح نوعان: خاصة وهي ما يتعلق بفرد واحد أو أفراد معدودة. وعامة وهي ما يتشارك فيها قوم أو أقوام. ولكل واحد من المصلحتين موضوع مخصوص وحيز محدود. ويشير المؤلف إلى أن المصالح العامة خير ما تُبنى عليه الأعمال. أما المصالح الخاصة فهي وإن كانت مطلوبة للمرء بفطرته لتحصيل حاجياته والتقلب بكمالياته فهو مأمور بلسان الهيئة الاجتماعية أن يؤثر المصلحة العامة عند التعارض. وعلى هذا النظام العمراني تنزلت الأديان السماوية، فإنها قوانين إلهية سنها الله لسعادة الأمم في كلتا الحالتين، فبنيت على رعاية مصالحهم العامة، ولم يكلف أحدًا أن يسعى لغيره ويشقى بنفسه. ولكن المصالح العامة مندرجة منها في الخاصة.
ويشير المؤلف إلى أن مبنى الأديان على حفظ الأنفس والعقول والأنساب والأموال والأعراض والحقوق، وجميع ما في هذه المعاني مما يكون فيه جرح أحد تلك الكليات. وجاء الإسلام بسد الذرائع التي من شأنها أن تؤدي إلى ذلك. ولم يبح لمن أمن شر الذريعة أن يقربها، وإن كان له ثمة ألف مصلحة لنفسه. وما آثر أحد مصلحة خاصة إلا وهو يحسب أنه يفيد نفسه. وأن الغش هو إيهام الناس الفاسد صالحًا، والقبيح حسنًا لمصلحة يستأثرها الغشاش لنفسه.
ويطبق المؤلف هذا على الآفات والسيئات الاجتماعية، مثل الربا، والميسر، والاحتكار في حين أن الإسلام يقرر مجموعة من المصالح والمقاصد، ولم يدع الإسلام حسنة من الحسنات المدنية إلا حرض عليها، ولا غادر سيئة من سيئات الاجتماع إلا نهى عنها وحذر منها، فهو دين مدني عمراني قديم، يحتاج إليه الباحثون في مطالب العمران من حيث التأسيس والاستبصار.
والتعاليم الإسلامية قررت جميع الأصول التي تعتمد عليها سعادة الإنسان في نفسه وفي قومه، فقررت أصول الاكتساب، وأصول الاقتصاد الإداري والمالي، وقررت وظائف الأعمال الإدارية، وأصول الحقوق المالية، وأصول الحروب والهدنة والمسالمة والمعاهدة والمقاولة والمراسلة ورعاية الموازنة السياسية، وحقوق الجوار، وأصول الحماية، وأصول معاملات أهل الذمة، وقررت أداء الأمانة وعصمة المال وأصول الخصومات والدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعميم الأمن والراحة والعدل والإخاء والمساواة، والتعاون على جلب الخير ودفع الشرور، وتبادل الحب ورعاية المراتب وحفظ الدرجات، والجمع بين مصالح الدنيا والآخرة، والاشتغال بالعلم، وغير ذلك من الأصول المدنية، وقطب الجميع واحد وهو تتميم مكارم الأخلاق، وعلى هذا الأساس العام قام الإسلام كله.
وينهي المؤلف موقفه بأن هذا بيان ما لابد منه من أصول الإسلام، وأصول المدنية والعمران، وملتقاهما عند الأعمال والمصالح، وهي مرآة تتجلى فيها الحقائق بصورها الطبيعية، ولذلك برز في زجاجها الاجتماع المدني إسلامًا، والإسلام اجتماعيًا مدنيًا. وأن الإسلام دين مدني نزل من السماء ليسعد به البشر، وتجتمع حوله العقول والأفكار. وأنه دين قام على مصالح الدنيا والآخرة.